يصف المهرّبون والخارجون عن القانون في الجزائر، دول الساحل والكثير من الدول الإفريقية بأنها جنة الفردوس، بسبب غياب أي نوع من العقاب هناك ولا مجال لملاحقتهم. ففي مالي، على سبيل
المثال، يقوم مهرّبون بالاتجار في الهويات وجوازات السفر بمقابل مالي زهيد.
وراء نشاط تهريب الأسلحة والسجائر والمخدرات، تشهد دول الساحل المجاورة للجزائر نشاطا آخر أكثـر ربحا بالنسبة للسكان المحليين، وهو توطين الجزائريين الهاربين في وسط المجتمعات الإفريقية في دول جنوب الصحراء الكبرى، وتمكينهم من وثائق هوية مزوّرة، تسمح لهم باستعادة حياتهم بشكل طبيعي.
وتشير تقارير أمنية إلى أن بعض العصابات الإجرامية تدفع مبالغ تصل إلى 40 مليون سنتيم مقابل هوية حقيقية جزائرية، يحصل عليها المهرّبون من البلديات الحدودية وبعض المناطق الداخلية.
وسمحت تحقيقات مصالح الأمن بالتوصل إلى عدة قضايا تلاعب بهوية مواطنين جزائريين، وقعت إحداها في بلدية غرداية قبل سنتين.
وقبل سقوط نظام القذافي في ليبيا، تسلمت السلطات الجزائرية قائمة اسمية دوّن فيها 18 جزائريا، ضبطوا بجوازات سفر دول إفريقية مزوّرة خلال تعقب عصابات التهريب.
وتشير المصادر إلى أن أربعة من هؤلاء تم تسليمهم للجزائر في عام 2010، توبعوا بتهم جنائية قديمة، أضيفت إليها تهمة تزوير أوراق دولة أجنبية، ومن بين هؤلاء مطلوب للعدالة كان يقيم في منطقة رفان سنة 1995، وجهت إليه تهمة إطلاق النار على قوات الدرك الوطني وقتل عنصر حرس بلدي، وانتهى به المطاف عند محكمة جنايات أدرار التي حكمت عليه بالإعدام غيابيا. وفي2004 تم ضبطه في ليبيا، لتتسلمه الجزائر في 2010، حيث يقضي منذ ذلك الوقت عقوبة الحكم المؤبد، بعد أن طعن في المحاكمة الغيابية الأولى.
حالات كثيرة
هذه ليست الحالة الوحيدة، حيث يتكرّر كل عام فرار الجزائريين، خاصة من سكان الجنوب المتورطين في قضايا جنائية، إلى الدول الإفريقية من أجل الإقامة هناك لبعض الوقت، قبل أن يعودوا بهويات جديدة، يظنون أنهم بها سيفلتون من سيف القانون.
وفي هذا الصدد، تشير تقارير أمنية إلى تزايد ظاهرة فرار الجزائريين المطلوبين للعدالة إلى الدول الإفريقية، حيث يتعدّى مجموع المطلوبين للعدالة الذين يشتبه في أنهم يقيمون في دول إفريقية بوثائق هوية مزوّرة الـ200، منهم من فرّ قبل أكثـر من 20 سنة، ومن بينهم تجار كبار يجدون في دول مثل بوركينافاسو والنيجر ونيجيريا، الملاذ الآمن.
ويعوّل بعض هؤلاء على مبدأ التقادم القانوني الذي يسمح بإلغاء المتابعة الجزائرية في القضايا بعد مرور فترات تتراوح بين 5 و25 سنة، حسب نوع القضية، ومن ثمة العودة إلى أرض الوطن. لكن بعضهم انخرط في العصابات الإجرامية، وأغلب هؤلاء متورطون في قضايا جنائية، تصل عقوبة بعضها إلى المؤبد. وللخلاص من شبح السجن وظلماته، يلجأ هؤلاء إلى شراء هوية جديدة وجواز سفر بجنسية دولة إفريقية، مقابل مبلغ يتعدى أقصاه 200 دولار أو 200 أورو.
ويعرف العاملون في شبكات التهريب تفاصيل كثيرة عن الشبكات التي تسمح للمطاردين في الجزائر، وفي أي دولة أخرى، بالعيش في أي دولة إفريقية.
وتقول مصادر أمنية ميدانية متابعة لنشاط العصابات الإجرامية والتهريب، إن الأوضاع تطوّرت في السنوات الأخيرة، إلى درجة أنه لا ينقضي أسبوع دون تداول أخبار حول فرار أحد المطلوبين للعدالة إلى ما وراء الحدود الجنوبية.
بوركينافاسو جنة المطلوبين
يروي عباس مهاني، تاجر جزائري مقيم في مدينة ''واهيفوي'' بجمهورية بوركينافاسو، أن مناطق آمنة في إفريقيا تحوّلت إلى ملاذ آمن للمطلوبين للعدالة في الجزائر، إذ يمكنك هناك شراء هوية جديدة، وأن تحصل على كل ما تريد، وأن تتزوّج في نفس اليوم الذي تصل فيه.
ويضيف عباس ''كل شيء هنا سهل، خاصة بالنسبة للذي يعرف طبيعة المنطقة ومسالكها''. ويشير المتحدث إلى وجود شبكات متخصصة مكوّنة من جزائريين، أغلبهم يقيم في مدينة غاو بشمال مالي، يقومون بتوفير كل ما يحتاجه الجزائري المطلوب منذ اليوم الأول لوصوله، ليختم صاحبنا كلامه قائلا: ''تحتاج هنا للمال فقط'
الخبر'